الحمد لله الذي اخترع من العدم الموجودات، وأظهر من الموجودات الكائنات، وأبدع بحكمته في الطبائع الفاعلات والمنفعلات، وأقام الأجسام المتآلفات على أربع طبائع مختلفات، وقدر المنافع والمضرات والحياة والممات وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
لا يزال علم الفلك والروحانيات من العلوم الغريبة والمبهمة عند كثير من الناس. والناس منقسمين فيها إلى قسمين:
قسم يؤمن بها ويصدق كل شيء يتعلق بها، والقسم الآخر على عكس ذلك.
ولقد رأينا أيها الأخ الكريم أن نبين لك شيئاً من هذا العلم في هذه النبذة الموجزة. فنقول وبالله نستعين. ينقسم هذا العلم إلى قسمين:
• القسم الأول من هذا العلم: وهو الذي يتعلق باستخدام الروحانيين في مسائل الخير، وهذا لا يصل إليه إلا الجهابذة من أصحاب هذا الفن من الذين درسوه دراسة كافية فعلموا أسراره وخباياه وذلك بعد جهد وتعب لأن المتبحر في هذا القسم لابد له من مشقة وتعب حتى يصل إلى مبتغاه. ويتحصل هذا بالدراسة والرياضة والخلوات وغير ذلك من الأمور التي يعرفها أهل هذا الفن.
• أما القسم الثاني فهو الذي يعتمد على خفة اليد وطرطرة اللسان واستعمال بعضاً من المواد الكيماوية وغيرها. وهذا القسم غالب أصحابه من المشعوذين والدجالين من ذوي المهارات الفائقة وهذا القسم ينتشر في مجتمعاتنا العربية والمجتمعات الأوربية وغيرها بكثرة، ويتحصل هذا القسم بالممارسة.
وبعد هذا التقسيم الموجز نقول لك أيها الأخ الكريم إن العلم مراتب ودرجات تصل إلى تسعين مرتبة وأن لكل مرتبة منها خواص، وأن كل علم ينقسم إلى أقسام، فبعضه واجب شرعاً وبعضه حرام وبعضه مكروه وبعضه مباح وبعضه علم مشوق وأن لكل علم مقام مرتفع أو منخفض.
وقد أدرجنا بعضاً من هذه العلوم في موقعنا هذا وجعلنا فيه مسائل مختلفة كاختلاف أصناف الأزهار في بستان الأخيار، فعلى الداخل لهذا الروض اليانع والسر الجامع أن يجني من ثماره ويشرب من ينابيعه.
فمن هذه العلوم علم الحروف الذي هو عبارة عن معرفة الحروف ودلالاتها، وعلم الوهم الذي يشمل التسخير والتدبير والجلب، ومنها علم الأعداد المتمثل في معرفة كيفية وضع الأعداد بطريقة الأوفاق وخواص كل واحد منها.
• ضرورة توفر الإيمان لحصول الشفاء المطلوب
اعلم أن كل عمل، سواء كان فردي أو جماعي، ديني أو دنيوي، لا يقترن بقوة الإرادة والإيمان بالخالق سبحانه، وكونه القادر على بسط الشفاء، وغيره من الحاجات التي يتطلبها الوجود الإنساني، فإنه لا يثمر ولا يترتب عليه أي فائدة مرجوة، ويكون كالذي يرسم الخرائط على سطح الماء.
فإذاً الفائدة المرجوة من وراء ممارسة والتزام العمل بطرق هذا العلم الروحاني متوقفة على توفر وجود الإيمان بالله سبحانه، وبسائر مستلزماته العملية، إذ كيف يمكن أن يحرز السقيم الشفاء وهو لا يؤمن بمنفعة هذا العلم ، بل لا بد من اجتناب كل ما يفسد ذلك الإيمان، كما هو الشأن فيما يتعلق بالدواء الطبيعي المستوحى من أعشاب الطبيعة. فإن الطبيب عندما يقول للمريض: عليك أن تأخذ الدواء كذا، على مدة شهر، مع اجتنابٍ لأمور عديدة ، لحصول الشفاء من وراء إستعمال الدواء.
فالطبيب في هذا المقام، يريد أن يلقي للمريض درس الإيمان بشطريه:
الأول: الإلتزام باستعمال الدواء لمدة معينة.
الثاني: الترك واجتنابٍ لكل الأمور المفسدة لآثار الدواء.
الآن و بعد هذه المقدمة المختصرة نقول:
إن علماء هذا الفن ذكروا نوعين من العلاج والدواء:
• العلاج المعنوي:
وهو التداوي بالآيات القرآنية الشريفة و الأعداد المستخرجة منها, والأوفاق, وأسماء الله الحسنى, والأدعية وغيرها....
قال تعالى: " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين" الإسراء 82
وهنا نشير إلى كلام مفيد ذكره إبن جوزية في (الطب النبوي) حيث قال:
"والصحيح أن (من) هنا لبيان الجنس، لا للتبعيض، حيث قال تعالى: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور ) يونس 57
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للإستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء لشروطه، لم يقاومه الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصَدّعها، أو على الأرض لقطـّعها، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه، لمن رزقه الله فهماً في كتابه". (من كتاب الطب النبوي) ص 327.
• العلاج المادي:
وهو العلاج بالأعشاب والأطعمة و الأشربة والأغذية والدهون وغيرها...
نسأل الله عز وجل أن نكون قد وفقنا في إيجاد شرح مبسط لمعنى الطب الروحاني وفوائده وشروطه في هذه النبذة المختصرة، راجين من المولى أن يعم خير هذا العلم على الأمة العربية والإسلامية لما فيه مصلحتها.