أنت جالس في غرفتك مسترخ هاديء ، وفجأة تفكر في شخص وكأنك تقول في نفسك : منذ زمن لم أره .. وفجأة يرن جرس الهاتف .. وإذ به هو نفسه من كنت تفكر به ..
تدخل مكانا غريبا لأول مره فتقول لمرافقيك إنه مكان بديع وجميل ، وفجأة تحس لاوعيك بدأ يظهر إلى ساحة الوعي لافتة عريضه كتب عليها : ألا تظن أنك وسبق أن رأيت هذا المكان ؟!..
تصادف شخصا ما فتتأمل وجهه قليلا .. تضع عينك في عينيه فترى حروفا تنطق عن حاله ، وترى كلمات تحدثك عن أخباره ..فتكاشفه بها لتتأكد أنك أصبت الحقيقه تماما ..
أنت وزميلك تتحدثان وتريد أن تفاتحه في موضوع فإذ به ينطق بنفس ما أردت قوله ..
* * *
هذه النماذج في الحقيقه ما هي إلا صور معدودة تختصر ما يمكن أن نسميه " القدرات ما فوق الحسية " أو " القدرات الحسية الزائدة " أو ما يشمل علوم التخاطر والتوارد للأفكار والاستبصار ونحوها ..
وكل شخص منا من حيث الجملة سبق وأن تعرض لمثل هذه الصور في يومه وليلته ، أو خلال فترات ولو متقطعة .. المهم أنه سبق أن مر بمثل هذه التجارب في حياته .. هو يدرك أن ثمة شيئا غريبا بداخله .. هو يدرك أن هذه الأمور غامضة أو نابعة من قوى خفية غير ظاهرة ..
المهم أنه يدركها ويحس بحقيقتها ماثلة امامه حتى وإن عجز عن إيجاد تفسير دقيق وجلي لهذه الظواهر ..
الكثير من الناس لا يتنبهون إلى أن مثل هذه القدرات تحدث معهم كثيرا .. ربما تحدث للبعض في اليوم مرارا وتكرارا ، لكن يمنعهم من ادراكهم وتنبههم لحدوثها أمران :
الأول : أنهم بعد لم يعتادوا حسن الاستماع إلى النبضات الحسية التي تأتي مخبرة إياهم ومحدثة لهم بكثير من الوقائع .. بمعنى أنه لا توجد آلية للتواصل بين الإنسان وبين نفسه وأعماقه ومن ثم التعرف على هذه الخواطر ..
فنحن في هذه النقطة أمام مهمتين :
1 - كيف نتعلم .. بمعنى ما هي الآليات التي تؤهلنا للوصول إلى وعي وفهم هذه القدرات الحسية الزائدة ..
2 - كيف نصل إلى مرونة واضحة في التحدث بطلاقه بهذه اللغة .. بمعنى التعرف السريع والمباشر على أدق وأعمق ما يرد إلينا من أفكار وخواطر من الاخرين .. وما ينطلق منا من أفكار ورسائل ذهنية نحو الآخر ..
الثاني : أننا كثيرا ما ننتظر أن يحدث أمر غريب وغامض ولا نشعر بأن ثمة أمرا حدث بالفعل ..
تأملوا هذين المثالين :
1 - شخص يقترب من بيته فإذ به يحس أن أخاه سيفتح له الباب ..
2 - شخص يقترب من بيته فيظن أن فلانا الذي لم يره من شهر سيزوره ..
حينما يصدق احساس الشخص في الحالتين فإنه أبدا لن يهتم كثيرا لنجاح وصدق احساسه في الحال الأولى .. بل سيتنبه للحال الثانية لأنها بالفعل غير متوقعه إطلاقا .. فهي معجزة في نظره .. إذ كيف يتوقع مجيء فلان من الناس وهو لم يره منذ شهر ؟.. أما من اعتاد رؤيته فهو سيجعل ذلك محض صدفة ..
لكن حين التأمل سنجد أن كلا المثالين له اهميته .. فكونك تنجح في توقع أخاك من بين عدة إخوة ومن غير دليل منطقي يؤكد لك ذلك هو شيء مذهل ويدل على قدره وموهبة لديك ..
* * *
البعض يظن أن هناك علاقة قوية بين القدرات ما فوق الحسية وبين الصفاء والنقاء الروحي .. وأنه لكي يحدث الوعي النفسي العالي لابد من اصلاح الداخل واليقظة الروحية أو التـأمل .. لكن هذه العلاقة ليست دقيقة ، بل الفرد نفسه هو القادر على صناعة وصقل هذه القدرات ..
* أنواع القدرات ..
مصطلح القدرات فوق الحسية يطلق غالبا على ثلاثة أنواع متميزة من الظواهر النفسيه فوق الطبيعية .. وهي التخاطر والاستبصار والتنبؤ ..
أما التخاطر فهو التجاوب والاتصال بين ذهن وآخر ، أو قدرة عقل الشخص على الاتصال بعقل شخص اخر دون وجود وسيط فيزيقي .. وهو نوعان :
1 - توارد الافكار ، وهو أن يكون هناك شخصان يتفقان في وقت واحد على النطق بفكرة أو كلمة في وقت واحد .. فهما تواصلا وتجاوبا في وقت واحد بشيء واحد ..
2 - التخاطر ، وهو أن يكون هناك رسالة ذهنية موجهة من شخص إلى آخر ، فيكون هنا ثلاثة عناصر .. مرسل ومستقبل ورسالة ..
أما الاستبصار فهو القدرة على رؤية الأشياء من بعد دون الاعتماد على أمور ماديه محسوسة .. والتنبؤ هو القدره على التعرف على أمور لم تحدث بعد دون الاعتماد على أمور مادية محسوسة ..
* التأثير على الاخرين
هذه الافكار التي تنبعث منا إلى الاخرين لا تذهب سدى .. بل كل فكر ينطلق منا وينطلق من الاخرين نحونا يسبح في الفضاء فإنه يؤثر فينا ونتأثر به ..
ونحن إما أن نكون في دور المؤثر أو المتأثر .. الفاعل أو المنفعل .. فما من شيء نفكر به ونركز عليه إلا ويلقى محلا يؤثر فيه .. فالأفكار كما قيل هي عبارة عن أشياء وإن كانت لا ترى لكن لها تأثيرها كالهواء نتنفسه ونستنشقه ونتأثر به وهو لا يرى .. كما أن هناك تموجات صوتيه لا تسمعها الأذن ، وتموجات ضوئيه لا تدركها العين .. لكنها ثابتة ..
وبالتالي بات ضروريا أن ندرك أهمية ما تفعله الأفكار فينا من حيث لا نشعر ..
هل مر بك أن شعرت بشعور خفي يسري فيك ، مثل أن تكون في حالة ايجابية وفجأة تتحول إلى حالة سلبية ؟.. ربما كان ذلك بسبب أنك أتحت بعض الوقت للتفكير بشخص محدد .. فالتفكير بأي انسان كما يقول علماء الطاقة يتيح اتصالا أثيريا بينكما يكون تحته أربع احتمالات .. إما أن يكون هو إيجابيا وأنت إيجابي ، فكلاكما سيقوي الآخر .. أو أنه إيجابي وأنت سلبي ، وهنا أنت ستتأثر به فتكون إيجابيا وهو سيصبح سلبيا .. أو أن تكون أنت إيجابيا وهو سلبي .. أو أن تكونا سلبيين ، وهذا أخطر شيء ..
كذلك حين تفكر بالخوف أو الشجاعة أو الحب أو البغض ، فان جميع النماذج التي حولك وجميع الأشخاص الذين هم أمامك ممن يعيشون نفس هذا الشعور سينالك منهم حظ .. بمعنى أنك لو فكرت بالشجاعة فإن كل شجاعة تطوف حولك ستهبك من خيرها ، وإن فكرت في الخوف فإن كل خوف حولك وكل خوف يحمله انسان أمامك سينالك منه حظ .. وهكذا ..
إذن ..
1 - نحن نتأثر ونؤثر في الاخرين عبر مسارات فكرية ذهنية غير مرئية ..
2 - إننا نجذب إلينا ما نفكر فيه ..
3 - إننا وإن كنا على حالة إيجابية فإننا معرضون للحالات السلبية لو كان محور تفكيرنا في نماذج هي الآن تعيش حالة سلبية